فصل: (بَابٌ: دُخُولُ مَكَّةَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابٌ: دُخُولُ مَكَّةَ):

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِهِ.
(يُسَنُّ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِهَا) وَلَوْ كَانَ بِالْحَرَمِ وَلِدُخُولِ حَرَمِهَا (وَلَوْ لِحَائِضٍ) وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ فَتَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَتَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: وَلَيْلًا نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ السُّرَّاقِ انْتَهَى وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْ أَعْلَاهَا» أَيْ: مَكَّةَ (مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ مَصْرُوفٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَطَالِعِ وَيُعْرَفُ الْآن بِبَابِ الْمُعَلَّاةِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كُدًى) بِضَمِّ الْكَاف وَتَنْوِينِ الدَّالِ عِنْدَ ذِي طُوَى بِقُرْبِ شِعْبِ الشَّافِعِيِّينَ (مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى) وَيُقَالُ لَهَا: بَابُ شَبَكَةٍ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كُدَيّ مُصَغَّرًا فَأَبَاحَهُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْيَمَنِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي شَيْءٍ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَبِإِزَائِهِ الْآنَ الْبَابُ الْمَعْرُوفُ بِبَابِ السَّلَامِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ ارْتِفَاعَ الضُّحَى وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عِنْدَ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ ثُمَّ دَخَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَيَقُولَ عِنْد دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ.
وَقَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَمِنْ اللَّهِ وَإِلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ (فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا وَقَوْلِ جَابِرٍ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودُ الْحَدِيثَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ رُدَّ بِأَنَّهُ قَوْلُ جَابِرٍ عَنْ ظَنِّهِ.
وَخَالَفَهُ ابْنُ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٌ لِلْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ بِقِيلَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: وَيُهْلِلُ.
(وَقَالَ «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ») كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالسَّلَامُ الْأَوَّلُ: اسْمٌ اللَّهِ وَالثَّانِي مَنْ أَكْرَمْتَهُ بِالسَّلَامِ وَالثَّالِثُ: سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِكَ إيَّانَا مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَزْهَرِيُّ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا) أَيْ: تَبْجِيلًا (وَتَشْرِيفًا) أَيْ: رِفْعَةً وَإِعْلَاءً (وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً) أَيْ: تَوْقِيرًا.
(وَبِرًّا) بِكَسْرِ الْبَاءِ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ (وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا، كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرِيمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اللَّهُمَّ إنَّك دَعَوْتَ إلَى حَجِّ بَيْتِكَ) الْحَرَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ انْتَشَرَتْ وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِ الْبَيْتِ سَائِرُ الْحَرَمِ قَالَهُ الْعُلَمَاءُ.
(وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي وَاعْفُ عَنِّي وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ) ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (يَرْفَعُ بِذَلِكَ) الدُّعَاءِ (صَوْتَهُ إنْ كَانَ رَجُلًا)؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَاسْتُحِبَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ (وَمَا زَادَ مِنْ الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ)؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْبِقَاعَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ.
(ثُمَّ يَبْدَأُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا) أَيْ: مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ مُتَمَتِّعًا أَوْ غَيْرَهُ (وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَطُوفَ لَهَا طَوَافَ قُدُومٍ) كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
(وَ) يَبْتَدِئُ (بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوُرُودِ إنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَهُوَ تَحِيَّةُ الْكَعْبَةِ) فَاسْتُحِبَّتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ.
(وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ (الصَّلَاةُ وَتُجْزِئُ عَنْهَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ) وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا تَفْصِيلُهُ (فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يُبْدَأُ بِهِ الطَّوَاف) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ ذَكَرَ فَرِيضَةً فَائِتَةً أَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فَيُقَدِّمَهَا عَلَيْهِ) أَيْ: الطَّوَافِ لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ وَأَمْنِ فَوَاتِهِ (ثُمَّ يَطُوفَ) إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تِلْكَ.
(وَالْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ: تَأْخِيرُهُ) أَيْ: الطَّوَافِ (إلَى اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ إنْ أَمِنَتْ الْحَيْضَ أَوْ النِّفَاسَ وَلَا تُزَاحِمُ الرِّجَالَ لِتَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ وَلَا لِغَيْرِهِ خَوْفَ الْمَحْظُورِ (لَكِنْ تُشِيرُ) الْمَرْأَةُ (إلَيْهِ) الْحَجَرِ (كَ) الرَّجُلِ (الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ) إلَّا بِمَشَقَّةٍ.
(وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَ) فِي (طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ غَيْرِ حَامِلٍ مَعْذُورٍ) بِحَمْلِهِ بِرِدَائِهِ (فِي جَمِيع أُسْبُوعِهِ فَيَجْعَلُ وَسَطَهُ) أَيْ: الرِّدَاءِ (تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَ) يَجْعَلُ (طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ) مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ وَهُوَ عَضُدُ الْإِنْسَانِ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ مُضْطَبِعًا وَعَلَيْهِ بُرْدٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ سَوَّاهُ) أَيْ: الرِّدَاءَ فَجَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ (وَلَا يُضْطَبَعُ فِي السَّعْي) لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْنَا فِيهِ شَيْئًا وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ إلَّا فِيمَا عَقَلَ مَعْنَاهُ وَهَذَا تَعَبُّدِيٌّ مَحْضٌ.
(وَيَبْتَدِئُ) الطَّوَافَ (مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَبْتَدِئُ بِهِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ فَيُحَاذِيهِ) أَيْ: الْحَجَرَ (أَوْ) يُحَاذِي (بَعْضَهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ)؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَ اسْتِقْبَالُهُ لَزِمَ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْقِبْلَةِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: يُحَاذِي الْحَجَرَ أَوْ بَعْضَهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ عَنْ جَانِبِ الرُّكْنِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ بِحَيْثُ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ (أَوْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ دُون الرُّكْنِ) الَّذِي بِهِ الْحَجَرُ (كَالْبَابِ وَنَحْوِهِ) كَالْمُلْتَزَمِ (لَمْ يُحْتَسَبْ بِذَلِكَ الشَّوْطُ) لِعَدَمِ مُحَاذَاةِ بَدَنِهِ لِلْحَجَرِ وَيُحْتَسَبُ لَهُ بِالثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَيَصِيرُ الثَّانِي أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ يُحَاذِي فِيهِ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ (ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ) أَيْ: الْحَجَرَ (أَيْ: يَمْسَحُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى) لِقَوْلِ جَابِرٍ إنَّ «الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالِاسْتِلَامُ: افْتِعَالٌ مِنْ السَّلَامِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ بِالِاسْتِلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمِيثَاقَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ كَتَبَ كِتَابًا فَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ فَهُوَ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِ بِالْجُحُودِ» وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ.
(وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ: الْحَجَرَ (مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ يَظْهَرُ لِلْقُبْلَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَسْلَمَ قَالَ «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» (وَنَصَّ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ (وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ.
(فَإِنْ شَقَّ اسْتِلَامُهُ) وَتَقْبِيلُهُ لَمْ يُزَاحِمْ وَاسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ (وَقَبَّلَ يَدَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ (فَإِنْ شَقَّ) اسْتِلَامُهُ بِيَدِهِ (اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ وَقَبَّلَهُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا (فَإِنْ شَقَّ) اسْتِلَامُهُ بِشَيْءٍ (أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ وَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ وَلَا يُقَبِّلُ الْمُشَارَ بِهِ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَلَا يُزَاحِم) لِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ أَوْ تَقْبِيلِهِ أَوْ السُّجُودِ عَلَيْهِ (فَيُؤْذِي أَحَدًا) مِنْ الطَّائِفِينَ.
(وَيَقُولُ) عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ بِوَجْهِهِ إذَا شَقَّ اسْتِلَامُهُ (بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيَّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ ذَلِكَ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ» (وَزَادَ جَمَاعَةٌ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
(فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَجَرُ مَوْجُودًا) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ (وَقَفَ مُقَابِلًا لِمَكَانِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ إذَا هُدِمَتْ.
(وَاسْتَلَمَ الرُّكْن وَقَبَّلَهُ فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ) لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
(ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي بَابَ الْبَيْتِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيَجْعَلُهُ) أَيْ: الْبَيْتَ (عَلَى يَسَارِهِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (لِيُقَرِّبَ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ) الَّذِي هُوَ مَقَرُّ الْقَلْبِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْبَيْتِ (فَأَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ) الطَّائِفُ (يُسَمَّى الشَّامِيَّ وَالْعِرَاقِيَّ وَهُوَ جِهَةُ الشَّامِ ثُمَّ يَلِيهِ الرُّكْنُ الْغَرْبِيُّ وَالشَّامِيُّ وَهُوَ جِهَةُ الْمَغْرِبِ ثُمَّ الْيَمَانِيُّ جِهَةُ الْيَمَنِ فَإِذَا أَتَى عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الرُّكْن الْيَمَانِيِّ (اسْتَلَمَهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهُ).
وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ اسْتَلَمَهُ وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّقْبِيلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَلَا يَسْتَلِمُ وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ) أَيْ: الشَّامِيَّ وَالْغَرْبِيَّ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا أَرَاهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَلِمْ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ إلَّا لِذَلِكَ وَطَافَ مُعَاوِيَةُ فَجَعَلَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَ تَسْتَلِمْ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْتَ.
(وَلَا) يَسْتَلِمُ وَلَا يُقَبِّلُ (صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَافِنِ الَّتِي فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى.
(وَيَطُوفُ سَبْعًا يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا مَاشٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَرِهِ كُلِّهَا وَفِي حَجِّهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الرَّمَلِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ فَبَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ عِلَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (غَيْرُ رَاكِبٍ وَ) غَيْرُ (حَامِلٍ مَعْذُورٍ وَ) غَيْرُ (نُفَسَاءَ وَ) غَيْرُ (مُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قُرْبِهَا فَلَا يُسَنُّ هُوَ) أَيْ: الرَّمَلُ (وَلَا الِاضْطِبَاعُ لَهُمْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ الرَّمَلُ وَهُوَ إظْهَارُ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَرْمُلْ وَمَنْ لَا يُشْرَع لَهُ الرَّمَلُ لَا يُشْرَعُ لَهُ الِاضْطِبَاعُ (وَلَا) يُسَنُّ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ (فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا اضْطَبَعُوا وَرَمَلُوا فِيهِ.
(وَلَا يَقْضِيهِ) أَيْ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ (وَلَا) يَقْضِي (بَعْضَهُ) إذَا فَاتَهُ (فِي) طَوَافِ (غَيْرِهِ) خِلَافًا لِلْقَاضِي كَمَنْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَا يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَنْ تُقْضَى هَيْئَةُ عِبَادَةٍ فِي عِبَادَةٍ أُخْرَى.
(وَهُوَ) أَيْ: الرَّمَلُ (إسْرَاعُ الْمَشْي مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى فِي غَيْرِ وَثْبٍ وَالرَّمَلُ أَوْلَى مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ بِدُونِهِ) أَيْ: دُونَ رَمَلٍ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ مَعَ الْقُرْبِ لِلزِّحَامِ؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفَسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَوْ زَمَانِهَا (وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّمَلِ أَيْضًا) أَيْ: مَعَ الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ لِقُوَّةِ الزِّحَامِ.
(وَلَوْ) كَانَ إذَا تَأَخَّرَ فِي حَاشِيَةِ الْقَوْمِ لِلرَّمَلِ (يَخْتَلِطُ بِالنِّسَاءِ فَالدُّنُوُّ) مِنْ الْبَيْتِ مَعَ تَرْكِ الرَّمَلِ (أَوْلَى) مِنْ الْبُعْدِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُعَارِضِ.
(وَيَطُوفُ) مَعَ الزِّحَامِ (كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ) بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا (فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً رَمَلَ فِيهَا) مَا دَامَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لِبَقَاءِ مَحِلِّهِ (وَتَأْخِيرِ الطَّوَافِ) حَتَّى يَزُولَ الزِّحَامُ (لَهُ) أَيْ: الرَّمَلِ (وَالدُّنُوُّ) مِنْ الْبَيْتِ (أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ مَعَ فَوَاتِهِمَا أَوْ فَوَاتِ أَحَدِهِمَا لِيَأْتِيَ بِالطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ.
(وَيَمْشِي الْأَرْبَعَةَ الْأَشْوَاطَ الْبَاقِيَةَ) (مِنْ الطَّوَافِ) لِلْأَخْبَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا الَّتِي تَقَدَّمْتِ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا.
(وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا) اسْتِحْبَابًا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَإِنْ شَقَّ) أَيْ: اسْتِلَامُهُمَا لِلزِّحَامِ (أَشَارَ إلَيْهِمَا) لِمَا مَرَّ (وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ بِيَدِهِ وَكَبَّرَ».
(وَلَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ فَتُسْتَحَبُّ) الْقِرَاءَةُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ وَدُعَاءٌ فَيَجِبُ كَوْنُهُ مِثْلُهَا وَ(لَا) يُسْتَحَبُّ (الْجَهْرُ بِهَا) أَيْ: بِالْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ.
(وَيُكْرَهُ) الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ (إنْ غَلَطَ الْمُصَلِّينَ) قُلْتُ أَوْ الطَّائِفِينَ.
(وَ) يَقُولُ (بَيْنَ) الرُّكْنِ الَّذِي بِهِ الْحَجَرُ (الْأَسْوَدُ) (وَ) الرُّكْنُ (الْيَمَانِيُّ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاسِكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ «وُكِّلَ بِهِ أَيْ: الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَمَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا: آمِينَ».
(وَيُكْثِرُ فِي بَقِيَّةِ طَوَافِهِ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا) أَيْ: عَمَلًا مُتَقَبَّلًا يَزْكُو لِصَاحِبِهِ ثَوَابُهُ وَمَسَاعِي الرَّجُلِ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ وَاحِدُهَا مَسْعَاةٌ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَذَنْبًا مَغْفُورًا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَفِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى (وَيَدَعُ الْحَدِيثَ إلَّا الذِّكْرَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ».
(وَمَنْ طَافَ أَوْ سَعَى رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ) الطَّوَافُ وَلَا السَّعْيُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ»؛ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا رَاكِبًا كَالصَّلَاةِ، وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ.
(وَ) الطَّوَافُ أَوْ السَّعْيُ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا (لِعُذْرٍ يُجْزِئُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «فَشَكَوْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَكَانَ طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ هَذَا مُحَمَّدٌ حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْبُيُوتِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَضْرِبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: يُجْزِئُ السَّعْيُ رَاكِبًا وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ (وَيَقَعُ الطَّوَافُ) أَوْ السَّعْيُ (عَنْ الْمَحْمُولِ إنْ نَوَيَا) أَيْ: الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ (عَنْهُ أَوْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْفِعْلُ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا يَقَع عَنْ شَخْصَيْنِ وَوُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ بِطَوَافِهِ إلَّا لِنَفْسِهِ وَالْحَامِلُ لَمْ يَخْلُصْ قَصْدُهُ بِالطَّوَافِ لِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ أَدَّى بِهَا الْحَامِلُ فَرْضَ غَيْرِهِ فَلَمْ تَقَعْ عَنْ فَرْضِهِ كَالصَّلَاةِ وَصِحَّةِ أَخْذِ الْحَامِلِ عَنْ الْمَحْمُولِ الْأُجْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ عَنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ لِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
(وَإِنْ نَوَيَا) أَيْ: الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ الطَّوَافَ (عَنْ الْحَامِلِ وَقَعَ) الطَّوَافُ (عَنْهُ) أَيْ الْحَامِلِ لِخُلُوصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّيَّةِ لِلْحَامِلِ (وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا) الطَّوَافَ (عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ لَمْ يَنْوِ) الطَّوَافَ (وَقَعَ لِمَنْ نَوَى) لِحَدِيثِ «إنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
(وَإِنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ مِنْهُمَا أَوْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ) الطَّوَافُ (لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِخُلُوِّ طَوَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ نِيَّةٍ مِنْهُ (وَإِنْ حَمَلَهُ بِعَرَفَاتٍ) لِعُذْرٍ أَوْ لَا (أَجْزَأَ) الْوُقُوفُ (عَنْهُمَا)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحُصُولُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مَوْجُودٌ.
(وَإِنْ طَافَ مُنَكِّسًا بِأَنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ) لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَدْ جَعَلَ الْبَيْتَ فِي طَوَافِهِ عَلَى يَسَارِهِ وَكَذَا لَوْ طَافَ الْقَهْقَرَى (أَوْ) طَافَ (عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَالْحِجْرُ مِنْهُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَمَنْ لَمْ يَطُفْ بِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ (أَوْ) طَافَ (عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَة بِفَتْحِ الذَّال) الْمُعْجَمَة (وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تُرِكَ خَارِجًا عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ) لَمْ يُجْزِئْهُ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: الشَّاذَرْوَانَ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْكَعْبَةِ.
(أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّوَافِ وَإِنْ قَلَّ) لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ (أَوْ لَمْ يَنْوِ) الطَّوَافَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»؛ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ لِلْخَبَرِ وَالصَّلَاةُ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ.
(أَوْ) طَافَ (خَارِجَ الْمَسْجِدِ) لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَطُوفُ (أَوْ) طَافَ.
(أَوْ) طَافَ (مُحْدِثًا وَلَوْ حَائِضًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْأَثْرَمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» (وَيَلْزَمُ النَّاسَ انْتِظَارُهَا) أَيْ: الْحَائِضِ (لِأَجْلِهِ فَقَطْ إنْ أَمْكَنَ) لِتَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ انْتِظَارُهَا لِلنِّفَاسِ لِطُولِ مُدَّتِهِ.
(أَوْ) طَافَ (نَجِسًا) ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنُهُ أَوْ بُقْعَتَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ كَالْمُحْدِثِ.
(أَوْ) طَافَ (شَاكًّا فِيهِ) أَيْ: فِي الطَّوَاف (فِي طَهَارَتِهِ) وَقَدْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ لَمْ يُجْزِئْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ وَ(لَا) يَضُرُّهُ شَكُّهُ فِي طَهَارَتِهِ (بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ) أَيْ: الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهُ كَشَكِّهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ.
(أَوْ) طَافَ (عُرْيَانًا) لَمْ يُجْزِئْهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ قَطَعَهُ) أَيْ: الطَّوَافَ (بِفَصْلٍ طَوِيلٍ عُرْفًا وَلَوْ سَهْوًا أَوْ لِعُذْرٍ) لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «وَالَى بَيْنَ طَوَافِهِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»؛ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُوَالَاةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (أَوْ أَحْدَثَ فِي بَعْضِهِ لَا يُجْزِئْهُ)؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِيهِ وَإِذَا وُجِدَ الْحَدَثُ بَطَلَتْ فَيَبْطُلُ كَالصَّلَاةِ (فَتُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ فِيهِ وَفِي سَعْيٍ) لِمَا مَرَّ.
(وَعِنْد الشَّيْخِ الشَّاذَرْوَانُ لَيْسَ مِنْ الْكَعْبَة بَلْ جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ) فَيَصِحُّ الطَّوَافُ عَلَيْهِ (وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ مَسَّ الْجُدُرَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ صَحَّ طَوَافُهُ) اعْتِبَارًا بِجُمْلَتِهِ كَمَا لَا يَضُرُّ الْتِفَاتُ الْمُصَلِّي بِوَجْهِهِ وَعَلَى قِيَاسِهِ: وَلَوْ مَسَّ أَعْلَى جِدَارِ الْحَجَرِ.
(وَإِنْ طَافَ فِي الْمَسْجِد مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ مِنْ قُبَّةٍ وَغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ) الطَّوَافُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ.
(وَإِنْ طَافَ عَلَى سَطْحِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ) كَصَلَاتِهِ عَلَيْهَا (قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ).
وَإِنْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ) لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلَيْنِ) فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَيُسَنُّ فِعْلُ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ مِنْ السَّعْي وَالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِهَا عَلَى طَهَارَةٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ.
(وَإِنْ قَطَعَ الطَّوَافَ بِفَصْلٍ يَسِيرٍ) بَنَى مِنْ الْحَجَرِ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ بِذَلِكَ (أَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ) صَلَّى وَبَنَى لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» وَالطَّوَافُ صَلَاةٌ فَتَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ (أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ صَلَّى وَبَنَى)؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالتَّشَاغُلِ عَنْهَا (وَيَكُونُ الْبِنَاءُ مِنْ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ أَثْنَاءِ الشَّوْطِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِبَعْضِ شَوْطٍ قُطِعَ فِيهِ وَحُكْمُ السَّعْيِ فِي ذَلِكَ كَطَوَافٍ.
(ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَالْأَفْضَلُ) كَوْنُهُمَا (خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ: مَقَامِ إبْرَاهِيمَ لِقَوْلِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ».
(وَحَيْثُ رَكَعَهُمَا مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ) لِعُمُومِ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَصَلَّاهُمَا عُمَرُ بِذِي طُوَى (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِتَرْكِ صَلَاتِهِمَا خَلْفَ الْمَقَامِ.
(وَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ: فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَ{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ عَادَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، وَيَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الطَّائِفُونَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّاهُمَا وَالطَّوَافُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ» وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي وَالطَّوَافُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَمُرُّ الْمَرْأَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَنْتَظِرُهَا حَتَّى تَرْفَعَ رِجْلَهَا ثُمَّ يَسْجُدُ وَكَذَا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ بِمَكَّةَ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا سُتْرَةٌ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الصَّلَاةِ مُوَضَّحًا (وَيَكْفِي عَنْهُمَا) أَيْ: عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (مَكْتُوبَةٌ وَسُنَّةٌ رَاتِبَةٌ) كَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
(وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ كُلَّ وَقْتٍ) وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْإِمَامِ: أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
(وَلَهُ جَمْع أَسَابِيعَ) مِنْ الطَّوَافِ (فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا رَكَعَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ) لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (وَالْأَوْلَى) أَنْ يُصَلِّيَ (لِكُلِّ أُسْبُوعٍ عَقِبَهُ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُشْرَع تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَلَا مَسْحُهُ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(فَرْعٌ: إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ) مِنْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ (ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فِي أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ وَجَهِلَهُ) أَيْ: الطَّوَافَ الَّذِي كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ (لَزِمَهُ الْأَشَدُّ) لِيُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ بِيَقِينٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْأَشَدُّ (كَوْنُهُ) بِلَا طَهَارَةٍ (فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَلَمْ تَصِحَّ) لِفَسَادِ طَوَافِهَا (وَلَمْ يُحِلَّ مِنْهَا) بِالْحَلْقِ لِفَسَادِ الطَّوَافِ (فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ.
(وَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَصِيرُ قَارِنًا وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِلْحَجِّ) أَيْ: طَوَاف الْإِفَاضَةِ (عَنْ النُّسُكَيْنِ) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَالْقَارِنِ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ: لُزُومُ إعَادَةِ الطَّوَافِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ فِيهِ الطَّهَارَةُ: هُوَ طَوَافُ الْحَجِّ فَلَا يَبْرَأُ بِيَقِينٍ إلَّا بِإِعَادَتِهِ (وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ) أَيْ: الطَّوَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ (مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ) لِوُقُوعِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ.
(وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ)؛ لِأَنَّا قَدَّرْنَا كَوْنَهُ وَقَعَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ.
(وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ الْعُمْرَةِ) وَقَدْ فَرَضْنَا طَوَافَهَا بِلَا طَهَارَةٍ (حَكَمْنَا بِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ) إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا (وَيَلْغُو مَا فَعَلَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِهِ.
(وَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ الَّذِي قَصَدَهُ لِلْحَجِّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ وَعَلَيْهِ) دَمَانِ (دَمٌ لِلْحَلْقِ وَدَمٌ لِلْوَطْءِ فِي عُمْرَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ) لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ بِالْوَطْءِ فِيهَا وَعَدَمِ صِحَّةِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إذَنْ (وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ) أَيْ: الطَّوَافَ بِلَا طَهَارَةٍ (مِنْ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ) لِلْحَجِّ.
(وَيَحْصُلُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) لِحُصُولِ الْوَطْءِ زَمَنَ الْإِحْلَالِ.